خطبة احفظ الله يحفظك لفضيلة الشيخ عثمان بن عبد الله السالمي حفظه الله تعالى ألقيت في مسجد الصديق بذمار 20 جمادى الأولى 1438 الخطبة الأولى إنّ الحمد لله نحمده تعالى ونستعينُه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الصمد. وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله بعثه الله رحمةً لهذه الأمة بشيراً ونذيراً ومعلّماً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً أخرج الله به هذه الأمة من ظلمات الشّرك إلى نور التّوحيدِ ومن ظلمات الجهل إلى نور العلم فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وسلّم تسليماً كثيراً أما بعد: أيّها المسلمون عِباد الله روى بعض أهل السّنن وأحمد وغيرهم (1) عن ابن عبّاس -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال له: وهو رديفه على دابّةٍ فقال: «يا غلام إني أُعلّمك كلمات ينفعك الله بِهنّ احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألتَ فَاْسْأَلِ الله وإذا اْستعنت فاْستَعِن بالله، واعلم أنّ الأُمّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضرّوك بشيء لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفِعت الأقلام وجَفّت الصّحف» رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. فانظر إلى هذا التّعليم النبوي العظيم أعطى الله نبيّه جوامع الكلِم وهو يُعلّمُ الشّابّ المؤمِن العقيدة الصحيحة ويوجّهه إلى طريق النجاةِ وإلى طريق حفظ الله له فنحن أيضاً بحاجة ماسّة أن نعلم شبابنا وبناتنا بل وأنفسنا ومجتمعنا على أن نعرف الطريق المنجية من الهلاك من هلاك الدنيا وهلاك الآخرة وخاصّةً في مثل هذه الأزمان والأوقات المُحرجة التي حصل فيها من البلاء وحصل فيها من الشر والمصائب التي عمّت كثيراً من بلاد الإسلام ومن مجتمعاته فهذه المآزِق والمضايق والمِحن لا تُرفع إلا بالرجوع الى الله والاعتماد عليه وعمل الأسباب التي تكون سبباً في أن يحفظك الله من الزّلل يحفظك الله من المعاصي يحفظك الله أن تتهوّر فتقتُل مسلماً بغير حق أو ترتكب فاحشةً أو تأكل رِبَاً أو تعمل منكراً فإذا حفظت شرع الله وحفظت حدوده فأبشر أن الله يحفظك «فالجزاء من جنس العمل» ?إِن أَحسَنتُم أَحسَنتُم لِأَنفُسِكُم وَإِن أَسَأتُم فَلَها? [الإسراء: 7] وقال جلّ وعلا: ?يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُركُم وَيُثَبِّت أَقدامَكُم? [محمد: 7] وقال: ?وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ? [الحج: 40] أي إذا نصرت شرع الله ودين الله نصرك الله على نفسك من الهوى تتغلّب على نفسك فأعظم عدوّ ملازم لك نفسُك الأمّارة بالسّوء، والشيطان يعينُ نفسك على الهوى ثم العدو الآخر الكُفّار أعداء آخرون فإذا كنت لا تستطيع أن تجاهد نفسك ما تستطيع أن تجاهد العدوّ الآخر فلهذا قال النبي-صلى الله عليه وسلم- «المجاهد من جاهد نفسه»(2) الله أكبر، المجاهد الحقيقي القوي من جاهد نفسه لأن المعارك قد تستمر شهر شهرين ثلاثة وتنتهي بفضل الله لكن أنت في معركة مع هوى نفسك ومعارك مع الشيطان ومعارك مع شهوات الدنيا مستمرة إلى أن تموت فإذا كنت قويّ العزم قوي الإيمان قويّ الإرادة تستطيع تتحكّم على نفسك وهواك وتتغلّب على عدوّك الشيطان فتستمرّ في طاعة الله، إذاً فيحفظك الله من كثيرٍ من الزّلل بل يحفظك من المحن والفتن، قال الله جلّ وعلا: ?إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذينَ اتَّقَوا وَالَّذينَ هُم مُحسِنونَ? [النحل: 128]. "احفظ الله يحفظك" إذا حفظت دين الله تصير من المتّقين فإذا كنت من المتقين كان الله معك بحفظه وكلئِه ونصره وتأييده، قال الله: ?حافِظوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الوُسطى وَقوموا لِلَّهِ قانِتينَ? [البقرة: 238] وقال: ?وَالَّذينَ هُم عَلى صَلاتِهِم يُحافِظون َ? أُولئِكَ في جَنّاتٍ مُكرَمونَ? [المعارج: 34-35] لمـّا حافظ على صلاته صار من أهل الجنّة. تُحافظ على بصرك لا تنظر إلى الحرام: ?قُل لِلمُؤمِنينَ يَغُضّوا مِن أَبصارِهِم وَيَحفَظوا فُروجَهُم ذلِكَ أَزكى لَهُم إِنَّ اللَّهَ خَبيرٌ بِما يَصنَعونَ? [النور: 30]. وقال: ?إِنَّ المُسلِمينَ وَالمُسلِماتِ وَالمُؤمِنينَ وَالمُؤمِنات?.. إلى قوله: ?وَالحافِظينَ فُروجَهُم وَالحافِظات? ثم قال: ?ِوَالذّاكِرينَ اللَّهَ كَثيرًا وَالذّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَغفِرَةً وَأَجرًا عَظيمًا? [الأحزاب: 35]. فالذي يحفظ شرع الله يحفظ نفسه من الزّلل والإثم والفجور، يحفظه الله وأعظم ما يحفظك ألا تقع في المعصية والجُرم هذه أعظم كرامة لك، فانظر كيف يمتنّ الله على نبيه يوسف - عليه الصلاة والسلام - وقد راودته إمرأة عظيمة جميلة مهيأة في دار مُلك ?قالَت هَيتَ لَكَ? ?وَلَقَد هَمَّت بِهِ وَهَمَّ بِها لَولا أَن رَأى بُرهانَ رَبِّه? [يوسف: 24]. فلمّا رأى بُرهان ربّه لما هم؛ عصمه الله عزّ وجل. قيل رأى شيئاً فيه موعظة له ?كَذلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السّوءَ وَالفَحشاءَ إِنَّهُ مِن عِبادِنَا المُخلَصينَ? [يوسف: 24]. فبالإخلاص والمراقبة لله عزّ وجل يحفظك الله وإذا فرطت في حق الله وتهوّرت فإنه يخذلك -والعياذ بالله- ويوكلك إلى نفسك وإلى الشيطان فمن صدق مع الله وحفظ شرع الله حفظه الله، قد يقول قائل ذاك نبي نعم هو نبي معصوم ولكن الأنبياء هم أعبد الناس وأفضل الناس وهم معصومون فلهذا كانوا يحافظون على أخلاقهم العالية وعلى دينهم فحفظهم الله. ومن الصالحين من يحفظه الله من الزّلل، كما عند الإمام الترمذي(3) بسند يحسنه الألباني عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال: كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ، وَكَانَ رَجُلًا يَحْمِلُ الأَسْرَى مِنْ مَكَّةَ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِمُ المَدِينَةَ، قَالَ: وَكَانَتْ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهَا: عَنَاقٌ وَكَانَتْ صَدِيقَةً لَهُ، وَإِنَّهُ كَانَ وَعَدَ رَجُلًا مِنْ أُسَارَى مَكَّةَ يَحْمِلُهُ، قَالَ: فَجِئْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى ظِلِّ حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ، قَالَ: فَجَاءَتْ عَنَاقٌ فَأَبْصَرَتْ سَوَادَ ظِلِّي بِجَنْبِ الحَائِطِ فَلَمَّا انْتَهَتْ إِلَيَّ عَرَفَتْ، فَقَالَتْ: مَرْثَدٌ؟ فَقُلْتُ: مَرْثَدٌ. فَقَالَتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا هَلُمَّ فَبِتْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ. قَالَ: قُلْتُ: يَا عَنَاقُ حَرَّمَ اللَّهُ الزِّنَا، قَالَتْ: يَا أَهْلَ الخِيَامِ، هَذَا الرَّجُلُ يَحْمِلُ أُسَرَاءَكُمْ، قَالَ: فَتَبِعَنِي ثَمَانِيَةٌ وَسَلَكْتُ الخَنْدَمَةَ فَانْتَهَيْتُ إِلَى كَهْفٍ أَوْ غَارٍ فَدَخَلْتُ، فَجَاءُوا حَتَّى قَامُوا عَلَى رَأْسِي فَبَالُوا فَظَلَّ بَوْلُهُمْ عَلَى رَأْسِي وَعَمَّاهُمُ اللَّهُ عَنِّي، قَالَ: ثُمَّ رَجَعُوا وَرَجَعْتُ إِلَى صَاحِبِي فَحَمَلْتُهُ وَكَانَ رَجُلًا ثَقِيلًا حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الإِذْخِرِ، فَفَكَكْتُ عَنْهُ أَكْبُلَهُ فَجَعَلْتُ أَحْمِلُهُ وَيُعْيِينِي حَتَّى قَدِمْتُ المَدِينَةَ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْكِحُ عَنَاقًا؟ فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَتْ: ?الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ? [النور: 3]، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَرْثَدُ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ، فَلَا تَنْكِحْهَا». فالرّجل حين يكون عنده إرادة قوية وعزم وحفظ لحدود الله يحفظه الله فحفظه الله من الفجور ثم حفظه الله أيضاً من العدو لم يسلّط عليه الكفرة والمشركين بل هم فوق رأسه فوق كهفٍ صغير ولم يفطنوا أن ينظروا تحت الحجر والصخرة فهذا من حفظ الله فنحنُ بحاجة أن نحفظ ديننا ليحفظنا الله عزّ وجل من الزّلل والمحن «احفظ الله يحفظك» كلمة عظيمة من فِيْ رسول الله-صلى الله عليه وسلم- لشاب من أهله «احفظ الله يحفظك» احفظ سمعك من الغِناء من الغِيبة ومن أن تستمع باطلاً، قال الله: ?إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنهُ مَسئولًا? [الإسراء: 36] احفظ بصرك كما جاء عن ابن مسعود: " احفظ الرأس وما حوى والبطن وما حوى" فتحفظ رأسك وما فيه من آلات النفع من سمع وبصر ولسان قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: «من يضمن لي ما بين لحييه وفخذيه أضمن له الجنة» رواه البخاري عن سهل بن سعد – رضي الله عنه -. إذا حفظت لسانك من الباطل وفمك من أكل الحرام وحفظت بطنك من أكل الحرام، ومن أكل الرشوة، ومن أكل الرّبا، ومن أكل الغِش ومن أكل الخديعة كُن مُحافظاً على نفسك، ?إِنَّ الَّذينَ يَأكُلونَ أَموالَ اليَتامى ظُلمًا إِنَّما يَأكُلونَ في بُطونِهِم نارًا? [النساء: 10] هذا ما حفظ نفسه في الآخرة سيأكل نار، فأنت تحفظ رأسك من الأفكار الباطلة وتحفظ قلبك من الأفكار المنحرفة والعقائد الفاسدة فانتبه لنفسك كُن على ما كان عليه النبي-صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام وسلف الأمة فنحن إذا حفظنا شرعنا فأبشروا بالخير المخارج تأتيكم بإذن الله وإن حصل من البلاء ما حصل فالأمر يسير أنت تريد الفرج في يوم وليلة؟ الله قد يختبرك بالفقر هل ستصبر يبتليك بجار السوء يبتليك بخصم مؤذي يبتليك ويبتليك فتحتاج أن تصبر السنة والسنتين والثلاث والأربع والعشر والعشرين حتى تلقى الله ?الم ? أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُترَكوا أَن يَقولوا آمَنّا وَهُم لا يُفتَنونَ ? وَلَقَد فَتَنَّا الَّذينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَنَّ اللَّهُ الَّذينَ صَدَقوا وَلَيَعلَمَنَّ الكاذِبينَ? [العنكبوت: 1-3] أفحسب الناس أن يتركوا هملاً ولا يبتلون في دينهم ودنياهم، ولهذا في هذه السورة في سورة العنكبوت ذكر الله قصة نوح: ?وَلَقَد أَرسَلنا نوحًا إِلى قَومِهِ فَلَبِثَ فيهِم أَلفَ سَنَةٍ إِلّا خَمسينَ عامًا? [العنكبوت: 14] والمناسبة في ذكر قصة نوح عليه السلام هي طول الابتلاء، يعني بعض الأحيان يبتليك الله بطولِ الزّمن لينظر هل ستصبر أم أنك تنحرف بجوعة يوم بعري، بسخرية من شخص، تطيش أفكارك وتعامل جارك بما لا يستحق يبتليك الله، السنتين والثلاث لينظر ستصبر وتحفظ دينك أم لا، فنوح يسخر منه قومه كم سنين؟ هذه السنين الطويلة من عند أن قال لهم: «قولوا لا إله إلا الله تفلحوا» بدأوا يسخرون منه كلما مرّ عليه جماعة من أمته ومن قومه سخروا منه ?قالَ إِن تَسخَروا مِنّا فَإِنّا نَسخَرُ مِنكُم كَما تَسخَرونَ? [هود: 38]. وفي الأخير دعوة واحدة أهلك الله بها جميع المشركين ?وَقالَ نوحٌ رَبِّ لا تَذَر عَلَى الأَرضِ مِنَ الكافِرينَ دَيّارًا? [نوح: 26] فأغرقهم جميعاً كما تعرفون ونجّاه الله ومن معه كما قال: ?وَنوحًا إِذ نادى مِن قَبلُ فَاستَجَبنا لَهُ فَنَجَّيناهُ وَأَهلَهُ مِنَ الكَربِ العَظيمِ? ?وَنَصَرناهُ مِنَ القَومِ الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا? [الأنبياء: 76-77] فانظر كيف نصره على قومه أهلكهم ونجّاه من المشركين وظلمهم وكان في كرب عظيم سِنين طويلة، فلا تستعجل بالفرج أهم شيء أن تأمل من الله الفرج ويكون عندك رجاءٌ عظيم فالرجاء العظيم في قلبك وفي عزمك ونيّتك هذا من أعظم أسباب الفرج فظنّ بالله ظنّاً حسناً فقد قال: -عليه الصلاة والسلام- قال الله: في الحديث القدسي «أنا عند ظنّ عبدي بي فليظنّ بما شاء» وهكذا كان ظنّ الصحابة-رضي الله عنهم- فاقرؤوا سورة الأحزاب كيف نزل بهم البلاء فلما اشتدّ بهم الكرب قال الله عنهم: ?وَبَلَغَتِ القُلوبُ الحَناجِرَ وَتَظُنّونَ بِاللَّهِ الظُّنونا? ?هُنالِكَ ابتُلِيَ المُؤمِنونَ وَزُلزِلوا زِلزالًا شَديدًا? [الأحزاب: 10-11] فالمنافقون ماذا قالوا والعياذ بالله؟ ?ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسولُهُ إِلّا غُرورًا? [الأحزاب: 12] فالذي ما عنده دين ما يأمل من الله الفرج والمخرج ولا يأمل من الله سعة رزق ولا سيأتي أمن واستقرار، ما عندهم هذا، لكن أهل الإيمان: ?وَلَمّا رَأَى المُؤمِنونَ الأَحزابَ قالوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسولُهُ وَما زادَهُم إِلّا إيمانًا وَتَسليمًا? [الأحزاب: 22] فجعل الله لهم فرجا: ?وَكَفَى اللَّهُ المُؤمِنينَ القِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزيزًا? [الأحزاب: 25] إذاً المؤمن يكون عنده أمل بالله حسن وإن تكالب اليهود والنصارى وغيرهم من المجرمين على المسلمين فلا شكّ أن الله يُبقي لهذه الأمة بقايا على الخير فأنت لا تظن لو ضاق عليك البيت ما في أُرز ما في كذا لا تقُل خلاص سنموت لا، إقْبِل على الله واستعن بالله ، وانظر إلى مريم – عليها السلام - إمرأة مقبلة على الله مُتحجّبة عفيفة طيبة كيف جعل الله لها رزقاً يأتيها إلى بيتها إلى قعر دارها ?كُلَّما دَخَلَ عَلَيها زَكَرِيَّا المِحرابَ وَجَدَ عِندَها رِزقًا قالَ يا مَريَمُ أَنّى لَكِ هذا قالَت هُوَ مِن عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرزُقُ مَن يَشاءُ بِغَيرِ حِسابٍ? [آل عمران: 37] وابتليت بعد ذلك بغلام من غير زوج أُبتليت بلاء عظيماً ضاقت بها الأرض بما رحبت فجعل الله لها مخرجاً وفرجاً: ?فَحَمَلَتهُ فَانتَبَذَت بِهِ مَكانًا قَصِيًّا ? فَأَجاءَهَا المَخاضُ إِلى جِذعِ النَّخلَةِ قالَت يا لَيتَني مِتُّ قَبلَ هذا وَكُنتُ نَسيًا مَنسِيًّا? [مريم: 22-23] الله أكبر- الصالحون ابتلوا بأنواع البلاء امرأة تلد تحت شجرة لا طعام ولا شراب لا أنيس حتى فارقت أهلها فالله معها حافظ لها لكثرة عبادتها «»احفظ الله يحفظك» فلم يتركها ربها عز وجل: ?فَناداها مِن تَحتِها أَلّا تَحزَني قَد جَعَلَ رَبُّكِ تَحتَكِ سَرِيًّا? [مريم: 24] ?فَناداها مِن تَحتِها? لما ولدت ناداها الغلام الصغير الذي لم يتكلم مثله، ?فَناداها مِن تَحتِها أَلّا تَحزَني قَد جَعَلَ رَبُّكِ تَحتَكِ سَرِيًّا? [مريم: 24] قيل السَّرِي هو: " ماءٌ يجري من تحتها جعل الله نهرًا في الحال ثم يقول لها: ?وَهُزّي إِلَيكِ بِجِذعِ النَّخلَةِ تُساقِط عَلَيكِ رُطَبًا جَنِيًّا? [مريم: 25] امرأة والدة لا تستطيع أن تحرّك ربّما غُصناً صغيراً فكيف بنخلة عظيمة بمجرّد أن لامستها وهزّتها قليلاً فإذا بالرّطب الطّيب ينزل عليها فيأتيها الخير والفرج من المآكل والمشارب ويأنّسها ولدها ويتكلّم معها بعد ولادتها فإذا بها تمرّ على اليهود المتّهمين لها فإذا هي تشير إليه لا تكلمهم فينطق ?قالَ إِنّي عَبدُ اللَّهِ آتانِيَ الكِتابَ وَجَعَلَني نَبِيًّا ? وَجَعَلَني مُبارَكًا أَينَ ما كُنتُ وَأَوصاني بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمتُ حَيًّا? [مريم: 30-31] فيا عباد الله لا تيأسوا من فضل الله ورحمته فإنه سبحانه وتعالى رحيم بأوليائه وعباده ?إِنَّ رَحمَتَ اللَّهِ قَريبٌ مِنَ المُحسِنينَ? [الأعراف: 56]. فأحسنوا لأنفسكم بطاعة ربكم وأحسنوا إلى جيرانكم وفقرائكم وأيتامكم وأراملكم يحسن الله إليكم «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» «الرّحماء يرحمهم الرحمن»(4) فنحن بحاجة أن نكون كما سمعتم محافظين على جميع شريعتنا لا نأخذ جزءًا منها ونترك الأخرى فالقصص في القرآن تزيد أهل الإيمان إيماناً وأهل الثبات ثباتاً فما أحوج الناس أن يتدبّروا كتاب ربّهم ويقرؤوا سنّة رسولهم-عليه الصلاة والسلام-ففيها من العِبر الشيءُ الكثير لا تظن أن الله سيتركك وأنت عبده وإن مُت في هذه الحال فأنت من الكُرماء عند الله، ذكر الإمام المزّيٌ واختصره الإمام ابن حجر في تهذيب التهذيب لترجمة عبد الرحمن بن أبي نعم الكوفي رحمه الله كان من العُبّاد وأهل العلم والفضل فابتلي أن دخل على الحجّاج والحجّاج الظالم قد قتل أمماً وسُمِّيَت أيام الجماجم لأنه قد قتل أمةً من الأمم من أهل الإسلام - للأسف - فوعظه فكأنه قال له: (اتق الله يا حجّاج اتق الله قتلت أهل الإسلام) فإذا بالحجّاج يأمر به للحبس وقال سُدّوا عليه الباب بدون طعام وشراب فأُغْلِق عليه خمسةَ عشر يوماً -الله أكبر- ثم بعد الخمسةَ عشر اليوم قال الحجّاج اذهبوا فادفِنوا هذا الرّجل ففتحوا باب الغرفة فإذا الرجل قائمٌ يصلي-الله أكبر- قائم يصلي «احفظ الله يحفظك». فقال الحجّاج مع ظلمه سِرْ حيثُ شئت تركه" وعلِم أن الله حفظه. فالعِبَر في تاريخنا كثيرة فنحن نحتاج أن نتعلم الدين الذي ينفعنا الله به. واستغفروا الله العظيم. الخطبة الثانية الحمد لله حمدا كثيراً مباركاً فيه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - تسليماً كثيراً - أما بعد: أيها الناس-عباد الله- قال الله عزّ وجل عن عبدٍ كريم من عباده كان من أنبيائه والقائمين بأمره ابتلاه الله عزّ وجل بأمةٍ كفرت وعاندت "يونس عليه الصلاة والسلام " يونس ابن متّى ولقّب بذي النّون هذا النّبي الكريم دعا قومه وحاول سنين وهم يسخرون منه ويؤذونه. فدعا عليهم أنّ الله يهلكهم فجاء الخبر من عند ربه -جلّ وعلا- مهلتهم ثلاثةٌ أيام إن لم يتوبوا يأتيهم الهلاك فخرج مُغاضباً لقومه غضبان عليهم ثم سافر فقومه لما علموا خروجه من وسطهم تابوا إلى الله ففزعوا إلى الله فخرجوا وأولادهم، وما عندهم من المواشي إلى الصحراء يبكون ويتضرّعون إلى الله وعلموا أنه كلام نبي ما يخالف الحق ما يخالف الواقع سيأتيكم بعد ثلاثة أيام هلاك ففزعوا إلى الله قال الله: ?فَلَولا كانَت قَريَةٌ آمَنَت فَنَفَعَها إيمانُها إِلّا قَومَ يونُسَ لَمّا آمَنوا كَشَفنا عَنهُم عَذابَ الخِزيِ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَمَتَّعناهُم إِلى حينٍ? [يونس: 98]. الله أكبر التوبة حتى من الشرك والكفر تنفع صاحبها إذا تاب وهو في صحة وعافية قبل الغرغرة وتاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها ينفعه الله بها فهذه الأمة أسلمت ودعت الله أن يرفع عنها العذاب والبلاء فرفعه الله جلّ وعلا هذا أمر، المحنة الثانية على يونس-عليه الصلاة والسلام- خرج إلى البحر كما هو معلوم في القرآن فركب السفينة فلما وسّطوا في البحر وقفت السفينة بأمر خالقها جلّ وعلا فاستهموا قالوا "ثقُلت السفينة لابد من شخص نرمي به البحر حتى تخف السفينة وإلا سنهلك جميعاً "فاستهموا فوقعت القرعة على خيرهم يونس-عليه الصلاة والسلام-أراد الله عزّ وجل أن يبتليه بسبب أنه غاضب قومه ترك الدعوة إلى الله -الله المستعان- فأدبه ربه وابتلي بهذا الابتلاء فاستهموا ?فَساهَمَ فَكانَ مِنَ المُدحَضينَ? [الصافات: 141] معناه من المغلوبين فرُمي به في البحر بأمر الله جلّ وعلا القدري ثم التقمه حوت -عظيم- وهذه محنة أخرى فبقي في الحوت أياماً وربما شهوراً والعلم عند الله كم بقي حتى نحُل جسمه وكاد جسمه أن يهلك ولكن من حِفظ الله له أيضاً بسبب طاعته الأولى وعبادته الكثيرة وتوحيده لله عز وجل والدعوة إلى التوحيد ربنا جلّ وعلا لتمام عدله لم يهمل ذلك أبداً فلم يزل يحفظه في بطن الحوت ولم يأذن للحوت بعصره معروف الحيوان كلما دخل في جوفه يعصره لكن الله حفظ هذا النبي الكريم ?فَساهَمَ فَكانَ مِنَ المُدحَضينَ ? فَالتَقَمَهُ الحوتُ وَهُوَ مُليمٌ? [الصافات: 141-142] أي مُلام على تركه الدعوة ?فَلَولا أَنَّهُ كانَ مِنَ المُسَبِّحينَ ? لَلَبِثَ في بَطنِهِ إِلى يَومِ يُبعَثونَ ? فَنَبَذناهُ بِالعَراءِ وَهُوَ سَقيمٌ? [الصافات: 143-145] الله أكبر ?وَأَنبَتنا عَلَيهِ شَجَرَةً مِن يَقطينٍ? [الصافات: 146] انظر هذا الخبر العظيم والقصة العجيبة يخبر الله نبيه محمداً لكي يخبر أمته فهذا النّبي كان في بطن الحوت فقال كلمة التوحيد ?وَذَا النّونِ إِذ ذَهَبَ مُغاضِبًا فَظَنَّ أَن لَن نَقدِرَ عَلَيهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَن لا إِلهَ إِلّا أَنتَ سُبحانَكَ إِنّي كُنتُ مِنَ الظّالِمينَ ? فَاستَجَبنا لَهُ وَنَجَّيناهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذلِكَ نُنجِي المُؤمِنينَ? [الأنبياء: 87-88]. بشارة للمؤمنين جميعاً إذا حصلت لهم مآزق أو مصائب عظائم وهم من أهل التوحيد ومن أهل الطاعة فلا ييأسوا من رحمة الله وفضله فالله بهم رحيم ولو بلغ من البلاء ما بلغ فإنه لطيف بعباده جلّ وعلا فانظر هذا النبي جعل الله له فرجاً وهو في هذا المكان المظلم "ظلمات بعضها فوق بعض " ولكن ربنا قادر على كل شيء-سبحانه وتعالى- هل هناك أزمة أكبر من أزمة يونس؟ ما نقول أزمة أكبر إلا ما يقاربها قصة إبراهيم عليه السلام، في دخوله النار ونجاه الله منهم، فانظر مجرّد أنه اعترف وقال: «لا إِلهَ إِلّا أَنتَ سُبحانَكَ إِنّي كُنتُ مِنَ الظّالِمين» الآن كلّما اشتدّت على بعض الناس الأمور صار يُغنّي من المساء إلى نصف الليل وآخر من العصر متفرّج على الكرة واللهو واللعب هل هذا سبب من أسباب الفرج؟ أنت تريد أن يحفظك الله وأنت كلما اشتدّت عليك الأمور فررت من الله وهربت وشردت كما يشرد البعير من صاحبه يا عبد الله أينك أين فكرك؟ أين محاسبتك لنفسك؟ أين التوبة؟ أين الرجوع؟ أين حفظَ شرع الله ليحفظك الله؟ هذا النبي وهو نبي يُسبّح الله في البحر «لا إِلهَ إِلّا أَنتَ سُبحانَكَ إِنّي كُنتُ مِنَ الظّالِمين» جاءه الفرج لا تيأس كل شيء على الله يسير: ?فَإِنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا ? إِنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا? [الشرح: 5-6]. العُسر الواحد له يسران ?فَلَولا أَنَّهُ كانَ مِنَ المُسَبِّحين? انظر فالتسبيح في حال الرّخاء والعبادة في حال الرّخاء تنفعك في حال الشّدة وتنفع أبنائك وربما أبناء أبنائك نعم ، فيونس ذكر الله عنه أنه كان من المسبحين قبل الشدة وفي حال الشدة أيضاً، فأنت تحاسب نفسك وتأمر أهلك بالصلاة والعبادة والذكر و.و. والله ما يضيعك أبداً فكن حريصا لحفظ دين الله وتذكّر هذه القصة ?فَلَولا أَنَّهُ كانَ مِنَ المُسَبِّحينَ ? لَلَبِثَ في بَطنِهِ إِلى يَومِ يُبعَثون? [الصافات: 143-145] أي يوم القيامة ثم أخرجه إلى الأرض ?فَنَبَذناهُ بِالعَراءِ? [الصافات: 145] الصحراء ساحل البحر لا بيوت لا قوم يستقبلونه ولا أهل ما عندهم علم ما في إلا الله فلّما وصل إلى ساحل البحر جسمه ضعيف لا يستطيع المشي أنقذه الله بشجرة في الحال ينبتها ?وَأَنبَتنا عَلَيهِ شَجَرَةً مِن يَقطينٍ? [الصافات: 146] قيل الشجرة من يقطين هي: " أرضية كالدّباء ونحوها " ولا مانع أن تكون كبيرة كبّرها الله فتكون مظللة عليه حتى لا يهلك من الشمس فأكل من هذه الشجرة حتى قوي جسمه ثم رجع إلى قومه داعياً ?وَأَرسَلناهُ إِلى مِائَةِ أَلفٍ أَو يَزيدونَ ? فَآمَنوا فَمَتَّعناهُم إِلى حينٍ? [الصافات: 147-148]. الله أكبر قرّ عينه أيضا بالإيمان أن آمن قومه وأصحابه وصار في سرور لكن بعد شدة وأزمة كبيرة فعلينا أن نلجأ إلى الله ونرجع إليه فنحفظ ديننا ونحفظ أبصارنا نحفظ عقولنا من الأفكار الهدّامة نتوب إلى الله من جميع ذنوبنا. فنسأله تعالى أن يتوب علينا وعليكم وأن يرحمنا وإياكم اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والرّبا اللهم إنا نسألك أن تهدينا سبل السلام وأن تعيننا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك إنك سميع الدعاء والحمد لله رب العالمين-وأقم الصلاة. https://salimi.al3ilm.com/15332 ---------------------------------------------- (1) الترمذي [2516] وأحمد [5/18][2803] والطبراني [12/238][12988] وقال الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" في الحديث [19]: وقد روي هذا الحديث عن ابن عباس من طرق كثيرة من رواية ابنه علي ومولاه عكرمة وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار وعبيد الله بن عبد الله وعمر مولى غفرة وابن أبي مليكة وغيرهم. انتهى المراد. (2) قطعة من حديث فضالة بن عبيد - رضي الله عنه – ورواه الإمام أحمد [39/381] طبعة الرسالة وهو صحيح وله شواهد. (3) رواه الترمذي في سننه [3177] [تفسير سورة النور] وسنده حسن. (4) رواه الترمذي [1924] بلفظ: «الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض .... » وسنده فيه أبو قابوس مقبول كما في التقريب وله شواهد منها «من لا يرحم الناس لا يرحمه الله» متفق عليه. وقال الشيخ الألباني (صحيح) كما في "الصحيحة"[925].